تحديات تواجهها سوريا ومؤتمر في اسطنبول يكشف المخططات الغربية ويرسم خط المواجهة

تواجه سوريا بحكومتها الجديدة تحديات كبيرة بعد سقوط نظام الأسد، حيث تعاني من فراغ سياسي وأمني تحاول العديد من القوى الإقليمية والدولية استغلاله، خاصة إسرائيل التي تسعى لملء هذا الفراغ.
داخلياً، تواجه الحكومة الانتقالية صعوبات جمة في توحيد الفصائل المتنافسة وإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد حل الجيش والأجهزة الأمنية القديمة، كما أن مطالب اللامركزية من قبل قوات “قسد” في شرق الفرات والفصائل الدرزية في الجنوب تعقد عملية إعادة التوحيد.
اقتصادياً، يعاني البلد من انهيار شامل مع انكماش الناتج المحلي بنسبة 60% منذ 2011 ووصول معدلات الفقر إلى 90% من السكان، بينما تقدر تكلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار في ظل بنية تحتية مدمرة وشح الخدمات الأساسية.
على الصعيد الإقليمي، تشكل إسرائيل تهديداً مباشراً حيث شنت غزواً عسكرياً برياً على محافظة القنيطرة متجاهلة اتفاقيات وقف إطلاق النار، كما نفذت غارات جوية على مواقع عسكرية سورية في محاولة لفرض وجودها الأمني.
تتعاظم المخاوف أيضاً من احتمالات التقسيم الطائفي وقيام كيانات منفصلة، في ظل المشاكل المتعاقبة والتي حدثت آخرها في محافظة السويداء.
دولياً، يتصاعد التنافس على الساحة السورية حيث عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري ونقلت أسلحة متطورة إلى قواعدها، كما أنها تدعم بقوة قوات “قسد” (الأكراد) في الشمال الشرقي الغني بالموارد مما يعيق جهود دمشق لاستعادة السيطرة على هذه المناطق.
في هذا السياق المعقد، يواجه المستقبل السوري غموضاً كبيراً حيث يتوقف استقرار البلاد على قدرة الحكومة الانتقالية على تحقيق الاندماج السياسي وجذب الاستثمارات ومواجهة محاولات التقسيم، بينما يبقى التدخل الخارجي خاصة الإسرائيلي والأمريكي أحد أكبر التحديات أمام استعادة السيادة السورية.
وبنظر الخبراء في الشأن السوري، فإن اسرائيل تحاول وبدعم من الدول الغربية وأمريكا تحقيق أهدافها الخفية في سوريا، وتركيز الحكومة الانتقالية في سوريا عليه أن يبقى في إطار التعاون مع روسيا وبناء العلاقات الاستراتيجية، الى جانب تعزيز العلاقة المميزة بتركيا.
حيث تعد الشراكة الراسخة مع روسيا ضمانة للحكومة السورية بعدم تكرار التدخل الإسرائيلي ووسيلة لعقد اتفاقات مع الغرب تقي سوريا مخاطر التقسيم أو الاحتلال المباشر.
وفي ذات السياق، وضمن فعاليات “مؤتمر البحر الأسود وشرق المتوسط”، في اسطنبول الذي عقد منذ يومين، تم التأكيد على وجهة نظر الخبراء بشأن سوريا عبر تصريحات المشاركين فيه.
فقد كشف المؤتمر النقاب عن استمرار المخططات الغربية الرامية إلى إضعاف الدول المستقلة عبر إثارة النزعات العرقية والدينية، كما حدث في سوريا والعراق. فيما أكد على أن استقرار دول المنطقة مرتبط بوحدتها ورفضها للتدخل الأجنبي، وبناءها لتحالفات تقوم على احترام السيادة ومصالح الشعوب.
وقد جاء في البيان الختامي: “ندعو الدول غير الغربية، وخاصة الصين وروسيا، إلى إقامة تعاون أمني حساس مع دول المنطقة. إن الوجود العسكري الذي تُنشئه تركيا وروسيا مع الحكومة السورية سيُوازن نفوذ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ويُخفف التوترات”.
كما تمت إدانة ما يسمى بـ”اتفاقات إبراهيم” المفروضة على سوريا. ودعا البيان سوريا ودول المنطقة الأخرى إلى عدم الوقوع ضحية لإسرائيل والولايات المتحدة وأدواتهما.
وخلال المؤتمر، قال أيهان بيلجن (نائب عن الحزب الديمقراطي الجديد في تركيا): “علاقاتنا (تركيا) مع الناتو.. يجب أن تتوقف”؛ الغرب يدعم الأكراد، مما يُسبب الانقسام. كما سأل: “إلى أي مدى كان انسحاب روسيا وإيران من سوريا في صالح تركيا؟ مرّ عام تقريبًا، والظروف لا تزال صعبة. ما النتيجة؟ ازداد نشاط إسرائيل، وازداد نشاط الأكراد. الجميع يحاول ملء الفراغ (بعد انسحاب إيران وروسيا)”.
بينما قال الدكتور دوغو بيرينسك، رئيس حزب الوطن التركي: “لا يمكن هزيمة العدوان الأمريكي والإسرائيلي باللجوء إلى قوى العالم ودعوة المجتمع الدولي للتدخل، هذه هي الحقيقة الأولى. الحقيقة الثانية هي أننا سنتحد كدول وشعوب في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود”.
فيما حذر ألكسندر دوغين، مدير المدرسة العليا للسياسة في الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية، من المخطط الإسرائيلي لتقسيم سوريا، قائلاً: “إسرائيل تحاول إنشاء دولة كردية في شمال وشرق سوريا، أي أنها تسعى إلى تمزيق البلاد. هذا التقسيم جزء من المشروع الغربي الهيمني. كما أنهم يخططون لمصير مشابه للعراق”.
وأضاف: “إذا تأسست كردستان مستقلة في سوريا أو شمال العراق، فستؤثر مباشرة على تركيا. لذا، يبدو أن المشروع الإمبريالي للشرق الأوسط الكبير ما زال قائماً”.
يُشار الى أن المؤتمر تناول قضايا حساسة في منطقتي شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، من مخاطر زعزعة الاستقرار الإقليمي المرتبطة بالخطط الغربية لإعادة توطين المهاجرين قسرًا، إلى جانب مناقشة مبادئ الاستقلال والسيادة والسلامة الإقليمية للدول.
كما ركز المؤتمر على جهود مواجهة طموحات الكتلة الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، مع التركيز على ضمان ازدهار وأمن شعوب المنطقة، إضافة إلى تسليط الضوء على دور الدول القومية والحركات الشعبية وخاصة في سوريا، في تعزيز الاستقرار الإقليمي والحفاظ على السلام الدائم.
وشارك في المؤتمر نخبة من الخبراء والممثلين عن دول متنوعة، بما في ذلك تركيا، روسيا، الصين، الولايات المتحدة، اليونان، العراق، إيطاليا، مصر، فلسطين، لبنان، اليمن، وجمهورية شمال قبرص التركية.
وبنظر الخبراء، فإن المؤتمر يعد بداية لشراكة مهمة بين الدول العربية المشاركة فيه ودول مهمة واستراتيجية وفاعلة كروسيا والصين وتركيا.
وبالنسبة لسوريا التي تعمل على النهوض والعودة الى مكانتها التاريخية، فهي تسير على الخط السياسي الصحيح والمتمثل في تعزيز أركان الدولة وبناء العلاقات المتينة مع الدول الإقليمية المهتمة على أسس المصلحة الوطنية.