الإمارات اليوم تليجرام
منوعات

حروب الأفيون: عندما استخدمت بريطانيا المخدرات سلاحاً ضد الصين

  • عندما استخدمت بريطانيا المخدرات سلاحاً ضد الصين :
    قبل 182 عاما، اندلعت شرارة أقذر الحروب التي أشعلتها بريطانيا خلال تاريخها الإستعماري، حيث نشرت تعاطي الأفيون بين الشعب الصيني إبان صراعها مع سلالة تشينغ الصينية. أُطلق على تلك المرحلة اسم ” حروب الأفيون ” ، واستمر تأثيرها حتى مطلع القرن العشرين.
    منتصف القرن ال 19 ، شهدت الصين صراعاً دامياً عرف بإسم حروب الأفيون ، ووصفها مؤرخون بأنها ” أقذر حروب في التاريخ ” نظراً لاستخدام بريطانيا للأفيون سلاحا ضد الصين ، و اتخذت هذه الحرب شكل نزاعين مسلحين بين الإمبراطورية البريطانية وسلالة تشينغ الحاكمة بالصين . وساهمت التجهيزات العسكرية الحديثة آنذاك بريطانيا لتحقيق انتصار سهل على الصين ، وكبدتها في المعاهدات التي ألزمتها بتوقيعها خسائر كثيرة ، أدت لإضعاف حكم أسرة تشينغ والحكومة الصينية، وأجبرت بكين على فتح موانئها أمام حركة التجارة الأوروبية. كما أخذت إنجلترا حق السيادة على هونغ كونغ، ولم تعدها للصين إلا عام 1997 .
  • أسباب حرب الأفيون :
    عُرف الصراع الأول ب ” حرب الأفيون الأولى ” وجرت وقائعها بين عامي 1839 و 1842 ، بين الصين وبريطانيا، بينما انضمت فرنسا لحرب الأفيون الثانية ( 1856 – 1860 ) المعروفة أيضا بإسم ” حرب السهم ” أو ” الحرب الأنجلوفرنسية في الصين ” لمساندة بريطانيا ضد الصينيين.
    وكان السبب الرئيسي لإندلاع الحرب مطلع القرن ال 19 عندما واجهت الصين أزمة أخلاقية واقتصادية خانقة، تمثلت في انتشار تجارة الأفيون غير المشروعة التي مارسها التجار الإنجليز عبر ” شركة الهند الشرقية ” . وازدادت تجارة الأفيون بشكل هائل منذ عشرينيات القرن ال 18 ، محدثة أضراراً اجتماعية واقتصادية كارثية على الشعب الصيني ، فمع ازدياد تعاطي الأفيون تفاقمت المشكلات الصحية وانهارت القوى العاملة وازدادت الفوضى، مما هدد استقرار الدولة . و في عام 1839 قررت الحكومة الصينية مواجهة الكارثة ، فأحرقت مخزوناً ضخماً من الأفيون كان التجار الإنجليز يخزنونه في إقليم غوانغزو، وصادرت 1400 طن من هذه المادة . ولم ترض هذه الخطوة بريطانيا التي كانت تسعى وراء الأرباح الضخمة من تجارة الأفيون، فاستخدمت القوة العسكرية لإجبار الصين على فتح أسواقها أمامها. ومع ازدياد حدة التوتر بين البلدين بسبب تجارة الأفيون غير المشروعة، وقع حادث أشعل فتيل الحرب في يوليو / تموز 1839 ، حين قام بحار بريطاني بأعمال شغب في إحدى القرى الصينية أسفرت عن قتل قروي وتخريب معبد بوذي، حينها طالبت بكين المذنبين لمحاكمتهم إلا أن حكومة لندن رفضت .
    واتخذت حكومة بكين موقفاً حازماً ضد تجارة الأفيون غير المشروعة التي مارسها التجار البريطانيون، فرفضت السماح للتجارة الأجنبية إلا بشروط تضمنت الإلتزام بالقانون الصيني ، والتوقف عن تهريب الأفيون ، وخضوع التجار الأجانب للولاية القضائية الصينية. ورفض ” تشارلز إليوت ” المراقب البريطاني للتجارة مع الصين هذه الشروط وعلّق التجارة بين البلدين وسحب جميع السفن البريطانية من هناك مما أدى إلى تصاعد التوتر بشكل كبير ، و اتخذت الصين خطوات عسكرية ضد البريطانيين، منها حصار ميناء ” كانتون ” .
  • حرب الأفيون الأولى ( 1839 – 1842 ) :
    في أواخر عام 1839 وبعد حادثة البحّار الإنجليزي، أعلنت بريطانيا التي كانت في أوج قوتها ، الحرب على الصين من أجل إعادة فتح الأبواب أمام حركة تجارة الأفيون المربحة، وأرسلت على الفور سفنها الحربية لضرب حصار بحري مقابل مصبّ نهر اللؤلؤ في هونغ كونغ .
  • بداية حرب الأفيون ( 1839 – 1842 ) :
    مع تصاعد التوتر بين الصين وبريطانيا، اندلعت حرب الأفيون الأولى عام 1839 ، عندما حاول التاجر البريطاني ” رويال ساكسون ” كسر الحظر الصيني ، فخرجت سفن البحرية الصينية لصدّه. لكن الأسطول البريطاني تدخل لحماية ساكسون، وشن هجوماً مدمراً على السفن الصينية . وبدأت حينها الأعمال العدائية عندما قصفت سفينة حربية بريطانية ثكنة صينية في هونغ كونغ . وفي عام 1840 أرسلت بريطانيا قوة عسكرية إلى الصين مزودة بأسلحة متطورة حينها ، وبحلول مايو / آيار 1841 ، احتلت القوات البريطانية كانتون، ثم هزمت القوات الصينية في هجوم مضاد بسبب ضعف تجهيزها وتسليحها.

حرب الأفيون الثانية (1856-1860)

في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، وبينما كانت حكومة تشينغ في قمع تمرّد “تايبينغ” بين عامي 1850 و1864، وجدت بريطانيا في ذلك الفرصة في إشعال صراع جديد مع الصينيين من شأنه توسعة نفوذهم التجاري.

لم تنتظر المملكة المتحدة كثيراً من أجل إيجاد الذريعة المناسبة، إذا اعتبرت حادثة السفينة (Arrow) سبباً كافياً لإشعال الحرب من جديد، وذلك بعد أن اعتقلت السلطات الصينية في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 1856 بعضاً من أفراد طاقم السفينة (صينيون) التي كانت ترسو في ميناء كانتون، الأمر الذي اعتبره الإنجليز إهانة لعلَمهم، وسبباً كافياً لبدء حرب ثانية.

متحججةً بذلك، باشرت البحرية البريطانية بقصف كانتون عبر مصبّ نهر اللؤلؤ، وأشعلت مناوشات مع القوات الصينية. تلا ذلك توقف التجارة، وفي ديسمبر/كانون الأول أحرق الصينيون معامل التجارة البريطانية ومستودعاتها، ما أدى إلى تصاعد التوتر.

من جانبهم، قرر الفرنسيون الدخول على الخطّ والانضمام إلى الحملة البريطانية، متخذين من حادثة مقتل مبشّر فرنسي أوائل عام 1856 على الأراضي الصينية، ذريعةً لدخول الحرب.

وبحلول نهاية عام 1857، بدأ الحلفاء عملياتهم العسكرية، ونجحوا في الاستيلاء على المقاطعة وتعيين حاكم أكثر تعاوناً.

وفي صيف عام 1858، نجح الحلفاء بالوصول إلى مدينة “تيانجين” وإجبار الحكومة الصينية على الموافقة على معاهدة “تيانجين” في يونيو/حزيران 1858، التي نصّت على تشريع تجارة الأفيون وجعلها قانونية، ودفع الصين تعويضات كبيرة للحلفاء، وتأمين إقامة المبعوثين الأجانب في بكين، وفتح العديد من الموانئ الجديدة للتجارة، والسماح للمسافرين الأجانب والمبشّرين بالدخول إلى عمق الأراضي الصينية.

في أعقاب ذلك، انسحب الحلفاء من “تيانجين”، وعادوا في صيف 1859 للتصديق على المعاهدات، لكنّ الحكومة قاومتهم ورفضت التوقيع عليها، الأمر الذي دفع الحلفاء لبدء حملة عسكرية جديدة نجحت بدخول بكين وإحراق القصر الصيفي للإمبراطور في أكتوبر/تشرين الأول 1860.

على إثر ذلك، وُقّعت معاهدة بكين التي أقرّت بشروط معاهدة “تيانجين” وسلّمت جنوب شبه جزيرة كولون، لتُلحق بهونغ كونغ التي بقيت خاضعة للسيطرة البريطانية حتى تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تُعاد للصين مع استمرار احتفاظها بوضع خاص.

ختاماً :
لا تزال حروب الأفيون واحدة من أكثر الفصول إيلاماً في الذاكرة الصينية ، حيث يُنظر إليها بإعتبارها بداية ” قرن الإذلال ” ، الذي انتهى فقط مع صعود الصين الحديثة في القرن العشرين، عندما تولى ” ماو تسي تونغ ” السلطة عام 1949 ، جعل إنهاء النفوذ الغربي و إلغاء المعاهدات غير المتكافئة جزءاً أساسياً من سياسات الصين الجديدة، حيث تم استعادة هونغ كونغ إلى السيادة الصينية عام 1997 ، في خطوة رمزية أنهت هذه الحروب.

في الصين اليوم ، تُستخدم حروب الأفيون في الخطاب السياسي الوطني للتأكيد على أهمية القوة الاقتصادية والعسكرية، حتى لا تتكرر هذه الحقبة مرة أخرى . رغم مرور أكثر من 150 عاماً على هذه الحروب ، لا تزال آثارها ملموسة في العلاقة بين الصين والغرب، حيث تُعتبر تذكيرا دائمآ بما يمكن أن يحدث عندما تفقد دولة سيادتها لصالح قوى خارجية.

يمكن القول أن حروب الأفيون لم تكن مجرد نزاعات على التجارة، بل كانت نقطة تحول رئيسية في النظام العالمي ، حيث أثبتت أن القوة الاقتصادية يمكن أن تُستخدم كسلاح استعماري بقدر فاعلية الجيوش ، من هنا ، بدأ العالم يتجه نحو نموذج جديد من الإستعمار ، لم يعد يعتمد فقط على الاحتلال العسكري، بل أصبح قائماً على السيطرة الاقتصادية والتجارية، وهو النموذج الذي لا يزال يهيمن على العلاقات الدولية حتى اليوم . قد تكون هذه الحروب قد انتهت من الناحية العسكرية، لكن إرثها لا يزال قائما في طريقة تعامل القوى الكبرى مع الدول الأضعف اقتصاديا، وهو ما يجعلها درساً تاريخياً لا يزال يحمل دلالات مهمة في القرن الحادي والعشرين.

لكن يبقى السؤال: هل يمكن أن تتكرر مثل هذه الحروب الاقتصادية في العصر الحديث ، أم أن العالم تعلم من دروس الماضي ؟ .

بقلم : فاتن الحوسني
ماجستير في الشؤون الدولية
باحثة وكاتبة في الشؤون الدولية

الإمارات اليوم تليجرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *