الإمارات اليوم تليجرام
منوعات

عَتَبَاتُ الزَّمَنِ المُقَدَّس : العَام الهجريّ 1447 وإشراقات التَّجَدُّد الرُّوحِيّ

بقلم : دكتور حُسَام الدِّين سَمِير
أُستاذُ العُلُومِ النَّحْوِيَّة واللُّغويَّة المُشَارِك بجامعةِ مُحَمَّد بن زايد للعُلُومِ الإنسانيَّة

في مِحْرَابِ التَّاريخ، حيث أنفاس الحَضَارة الإسلاميّة :

تُطِلُّ علينا شَمْسُ العَامِ الهِجْرِيّ الجديد 1447 بأشعتها الذَّهبيَّة، حَامِلَةً في طيَّاتِها عبقَ التَّاريخ وأريجَ المستقبل، فتنسج خيوطَ الزَّمن بألوانِ الأمَل والتَّجدُّد. إنها لحظةٌ فاصلةٌ في مسيرة الإنْسَانِيَّة؛ حيث يلتقي الماضي العَريق بالحَاضِر المتدفّق، وحيث تتجلَّى معاني الهجرة النبويَّة الشَّريفة في أبهى صورها كرمزٍ خالد للانطلاق نحو آفاق جديدة.
في هذا التَّوقيت المبارَك، تتراءى أمامَنَا صورُ الهجرةِ الأُولى كلوحةٍ فنيَّة رائعة رسمها التاريخُ بريشةِ الإيمان وألوان التَّضحية. فَمِنْ مكةَ المكرَّمة إلى يثرب الطيِّبة، سار المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ومعه صاحبه الصِّدِّيق، يحملان في قلبيهما نُورَ الرِّسالةِ، وفي عزيمتيهما إرادة التّغيير، لِيُؤسِّسَا بذلك معالمَ حضارةٍ سَتُضِيءُ العَالَمَ لأربعة عشر قرنًا من الزمان.

في ظِلال التّقويم الهجري : قراءةٌ في فلسفة الزَّمن الإسلامي :

إنَّ العَامَ الهجريَّ الجَديد ليس مجرّد تبديلٍ في أوراق التَّقويم، بل هو محطةٌ روحيَّةٌ عميقةٌ تدعونا إلى التَّأمُّلِ في معاني الهجرةِ كمفهومٍ حضاريّ مُتجدِّد. فالهجرةُ، في جوهرِها الفلسفيّ، تُمثِّلُ حركةَ الإنسانِ مِن حَالٍ إلى حال أفضل، مِن ظلمةٍ إلى نور، مِن ضيقٍ إلى سعة، مِن يأسٍ إلى أمل.
وحين نُقَلِّبُ صفحاتِ التَّاريخِ الإسلاميّ، نجد أنَّ هذا التَّقويمَ المبارَك قد شهد ميلادَ أعظم الحضاراتِ وأرقى المدنيَّات. ففي ظِلِّهِ ازدهرت العُلومُ والفنون، وتفتَّحت براعمُ الأدبِ والشِّعر، وانطلقت قوافلُ المعرفةِ مِن قرطبة إلى سمرقند، ومِن بغداد إلى القاهرة؛ لِتُنِيرَ دروبَ البشريَّةِ بمشاعلِ الحِكمةِ والعِلْم.

أوراق ومشاهد مِنَ التَّاريخ الهجريّ :

في العَام الهجريّ 1447، نقف على أعتابِ ذكرياتٍ عطرةٍ تفوحُ منها رائحةُ التَّاريخ العَابق. نتذكر كيف كان المسلمون الأوائل يستقبلون كل عام هجريّ جديد بقلوبٍ مُفْعَمَةٍ بالشَّوقِ إلى التَّقَرُّبِ من الله، وعقولٍ متوقّدة بالحماس للعمل والإنجاز. كانوا يرون في كلِّ عامٍ جديدٍ فرصةً ذهبيةً للتَّوبة النَّصوح، والإقبال على الله بصدق وإخلاص.
ولعلَّ في قصةِ الهجرة المبارَكة دروسًا لا ينضب مَعِينُها؛ فقد علَّمتنا أنَّ الإيمانَ الحقّ يتطلب التَّضحيةَ والصبر، وأنَّ النَّصرَ لا يأتي إلا بعد البَذْلِ والعَطَاء. وها نحن اليوم، في مطلعِ العَام 1447، مَدْعُوُّون لاستلهامِ هذه المعاني السَّامية في حياتنا المعاصرة.

في محراب التَّجدُّد : رؤى معاصرة للهجرة :

إنَّ الهجرةَ في عصرنا الحَاضِر تأخذ أشكالًا متعدِّدة، فهي هِجْرَةٌ مِنَ الجهل إلى العِلْم، ومِنَ التَّخلُّفِ إلى التَّقَدُّم، ومِنَ اليأس إلى الأمل. وفي هذا السِّياق، يأتي العَامُ الهجريُّ الجَدِيد لِيُذَكّرَنا بأنَّ التغييرَ الحقيقيَّ يبدأُ مِن داخلِ النَّفس الإنسانيَّة، مِن تلك الأعماق الرُّوحيَّة التي تحرّك الإرادةَ، وتُوَجِّه الخطوات نحو الأهدافِ النَّبيلة.
إنَّ أجيالنَا وأبناءَنَا اليوم مَدْعُوُّون لأنْ يكونوا مهاجرين جُدد، لا في المكان والزمان، ولكن في الفِكر والعَمل. مهاجرون مِن عَالَمِ الاستهلاكِ إلى عَالَمِ الإنتاج، ومِن ثقافةِ الكسل إلى ثقافةِ الإبداع، ومِن منطقِ التقليدِ الأعمى إلى منطقِ الابتكارِ والتَّجديد.

قناديل الأمل : رسائل من العَام الجديد :

فَبينما تبدو أضواء الفجر الجديد على أوراق التَّقويم الهجريّ، تحمل إلينا نسائمُ العام 1447 رسائلَ مِنَ الأمل والتَّفاؤل. إنها رسائل تهمس في آذاننا بأنَّ المستقبلَ يحملُ في طيَّاته إمكانياتٍ لا محدودة للنُّهوض والرُّقي، وأنَّ المجتمعات العربيَّة قادرة على استعادة دورها الحضاريّ إذا ما اهتدت بنورِ القُرآن واقتدت بِسُنَّةِ النبيّ العَدنان.
في هذا العَام المبارَك، نرى بوادرَ الشُّرُوق تلوح في الأفُق، من خلالِ الاستثمارِ في التَّعليم والبحث العلميّ، ومن خلالِ تنميةِ الموارد البشريَّة والاقتصاديَّة، ومن خلالِ تعزيزِ قيمِ التَّسامح والحِوار بين الحضارات. إنها خطواتٌ واثقةٌ نحو مستقبلٍ أكثر بزوغًا وازدهارًا.

خاتمة : في ظِلِّ الأمَل المُتَجَدِّد :

وهكذا، في ختامِ هذه التَّأمُّلات حول العَام الهجريّ الجَديد 1447، نقف موقف المتأمِّل الشَّاكر لِنِعَمِ الله التي لا تُحْصَى. إنَّ هذا العَام يأتي مُحَمَّلًا بالدعواتِ الصَّادقة للتَّجَدُّد والإصلاح، وبالعزيمة الصَّادقة على مواصلةِ المسيرة نحو الأهدافِ السَّامية.
فليكن هذا العَامُ عَامَ التَّوبةِ والإنابة، عَامَ العِلْم والعَمَل، عَامَ الوحدة والتَّضامن. وليكن شعارُنا في هذه المرحلة المبارَكة : “هِجْرَةٌ نحو الأفضل، وانطلاقةٌ نحو العُلا”. ففي ظِلِّ هذا التَّقويم المقدَّس، وتحت رايةِ الإسلامِ العَظِيم، نسيرُ بخطواتٍ ثابتةٍ نحو غدٍ أكثر إشراقًا وأملًا. إنَّ العَامَ الهجريّ 1447 يفتحُ أمَامَنَا صفحةً بيضاءَ نقيَّةً، نُدَوِّنُ عليها بأحرفٍ مِنْ نُورٍ قصةَ حضارةٍ مُتجدِّدة، وحكايةَ أجيالٍ عاقدة العَزم على النُّهوض والارتقاء. فلنستقبل هذا العام بقلوبٍ مؤمنة، وعقولٍ واعية، ولنجعل منه محطة انطلاقٍ نحو آفاق جديدة من المجد والسّؤدد.
كل عام أنتم جميعًا بخير، وعساكم مِنْ عواده.

الإمارات اليوم تليجرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *